سورة يس - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73)}
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ} هذه رؤية القلب، أي أولم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا. {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا} أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ولا وكالة ولا شركة. و{ما} بمعنى الذي وحذفت إلها لطول الاسم. وإن جعلت {ما} مصدرية لم تحتج إلى إضمار الهاء. {أنعاما} جمع نعم والنعم مذكر. {فَهُمْ لَها مالِكُونَ} ضابطون قاهرون. {وَذَلَّلْناها لَهُمْ} أي سخرناها لهم حتى يقود الصبي الجمل العظيم ويضربه ويصرفه كيف شاء لا يخرج من طاعته. {فَمِنْها رَكُوبُهُمْ} قراءة العامة بفتح الراء، أي مركوبهم، كما يقال: ناقة حلوب أي محلوب. وقرأ الأعمش والحسن وابن السميقع: {فمنها ركوبهم} بضم الراء على المصدر.
وروى عن عائشة أنها قرأت {فمنها ركوبتهم} وكذا في مصحفها والركوب والركوبة واحد، مثل الحلوب والحلوبة والحمول والحمولة.
وحكى النحويون الكوفيون: أن العرب تقول: امرأة صبور وشكور بغير هاء. ويقولون: شاة حلوبة وناقة ركوبة، لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان له الفعل وبين ما كان الفعل واقعا عليه، فحذفوا الهاء مما كان فاعلا وأثبتوا فيما كان مفعولا، كما قال:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة *** وسودا كخافية الغراب الأسحم
فيجب أن يكون على هذا ركوبتهم. فأما البصريون فيقولون: حذفت الهاء على النسب. والحجة للقول الأول ما رواه الجرمي عن أبي عبيدة قال: الركوبة تكون للواحد والجماعة، والركوب لا يكون إلا للجماعة. فعلى هذا يكون لتذكير الجمع. وزعم أبو حاتم: أنه لا يجوز {فمنها ركوبهم} بضم الراء لأنه مصدر، والركوب ما يركب. وأجاز الفراء {فمنها ركوبهم} بضم الراء، كما تقول فمنها أكلهم ومنها شربهم. {وَمِنْها يَأْكُلُونَ} من لحمانها {وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ} من أصوافها وأوبارها وأشعارها وشحومها ولحومها وغير ذلك. {وَمَشارِبُ} يعني ألبانها، ولم ينصرفا لأنهما من الجموع التي لا نظير لها في الواحد. {أَفَلا يَشْكُرُونَ} الله على نعمه.


{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76)}
ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً} أي قد رأوا هذه الآيات من قدوتنا، ثم اتخذوا من دوننا آلهة لا قدرة لها على فعل. {لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} أي لما يرجون من نصرتها لهم إن نزل بهم عذاب. ومن العرب من يقول: لعله أن يفعل. {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} يعني الآلهة. وجمعوا بالواو والنون، لأنه أخبر عنهم بخبر الآدميين. {وَهُمْ} يعني الكفار {لَهُمْ} أي للآلهة {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} قال الحسن: يمنعون منهم ويدفعون عنهم.
وقال قتادة: أي يغضبون لهم في الدنيا.
وقيل: المعنى أنهم يعبدون الآلهة ويقومون بها، فهم لها بمنزلة الجند وهي لا تستطيع أن تنصرهم. وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى.
وقيل: إن الآلهة جند للعابدين محضرون معهم في النار. فلا يدفع بعضهم عن بعض.
وقيل: معناه وهذه الأصنام لهؤلاء الكفار جند الله عليهم في جهنم، لأنهم يلعنونهم ويتبرءون من عبادتهم.
وقيل: الآلهة جند لهم محضرون يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم.
وفي الخبر: إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار، فهم لهم جند محضرون قلت: ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون» وذكر الحديث بطوله. {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} هذه اللغة الفصيحة. ومن العرب من يقول يحزنك. والمراد تسلية نبيه عليه السلام، أي لا يحزنك قولهم شاعر ساحر. وتم الكلام تم استأنف فقال: {إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} من القول والعمل وما يظهرون فنجازيهم بذلك.


{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)}
مبين قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ} قال ابن عباس: الإنسان هو عبد الله بن أبي.
وقال سعيد بن جبير: هو العاص بن وا السهمي.
وقال الحسن: هو أبي بن خلف الجمحي.
وقاله ابن إسحاق، ورواه ابن وهب عمالك. {أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ} وهو اليسير من الماء، نطف إذا قطر. {فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} أي مجادل في الخصومة مبين للحجة. يريد بذلك أنه صار به بعد أن لم يكن شيئا مذكورا خصيما مبينا. وذلك أنه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعظم حائل فقال: يا محمد أترى أن الله يحيي هذا بعد ما رم! فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم ويبعثك الله ويدخلك النار» فنزلت هذه الآية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8